أتذكر ما تداولته وسائل الإعلام عن مشهد لإحدى الطالبات بعد إمتحان إحدى مواد الثانوية العامة العام الماضي!
كانت الطالبة في حالة هياج قائلة ” بعد التعب ده كله عاوزينه ندخل كلية كحيانة زي تجارة أو أداب. لا نقعد في البيت أكرم”
وأرى أن هذه الطالبة أشارت وبلا قصد إلى ركن أصيل لا يجب أن ينفك عن منظومة تطوير الثانوية العامة بل ويجب أن يتناوله المستشارون التربويون بالبحث والدراسة كونه عِلة في وعي الطلاب وأولياء أمورهم وقصور في فهم واقع ومتطلبات سوق العمل داخل وخارج مصر!
أيتها الطالبة اليائسة أو قل البائسة، هل رغبتك الإلتحاق بما تصنفيها خبلاً أنها كلية “قمة” نابعة من تقييم موضوعي لمهارات وقدرات؟ هل هذه الرغبة مرتبطة بتطلعات ما بعد التخرج واحتياجات سوق العمل؟ أم أنها مجرد موروث مجتمعي بات عقيماً في ظل معطيات عملية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العالم أصبح في حاجة ماسة خلال العقود القادمة لتخصصات مغايرة للطب والصيدلة أو ما وصفناه هبلاً في مصر بكليات القمة؟
السادة أولياء الأمور. لماذا الإصرار على تغييب عقول أبنائكم وبناتكم؟! هل من العدالة وضع نتاج وتجربة ثمانية عشر عاماً في خانة رقمية؟ أعرف ما تبادر لأذهانكم الآن من عبارات نمطية مثل “هذا هو الواقع” و “وهذا الرقم هو ما سيتحدد به مستقبل إبني” – لا يا سادة! شجعوا أولادكم على الإجتهاد والأخذ بأسباب النجاح ولكن علموهم الرضا واليقين فيما يريد الله.
وإليكم التالي من واقع سوق المال والأعمال وكذلك تقارير العديد من المنتديات الإقتصادية التي ترصد وتحلل احتياجات سوق العمل.
هل تعرفون مثلاً أن أكثر من ٤٠٪ من المستثمرين في القطاع الطبي ممن يمتلكون المستشفيات والمراكز الطبية العالمية ليسوا أطباء؟
هل تعرفون مثلاً أن أكثر من ٣٠٪ من المستثمرين في المجال التعليمي في مصر وحدها ممن يمتلكون المدارس الخاصة لم يكن لهم علاقة بالتعليم أساساً بل ومنهم مقاولون بناء لا يحملون أي شهادات جامعية؟
هل تعرفون مثلاً أن كلية التجارة التي وصفتها بنتنا العزيزة “بالكحيانه” يمتلك المتميزون من خريجيها أكثر من ٧٠٪ من قطاع الشركات الإستثمارية في العالم ويعمل عندهم الكثير من الأطباء والمهندسون وغيرهم من مختلف التخصصات؟
هل تعرفون مثلاً أن العالم الآن ومستقبلاً يحتاج وبكثرة لوظائف مثل محللي البيانات وأخصائي الأمن السيبراني وأمن المعلومات والمبرمجين ورواد الأعمال وأن متوسط رواتب هذه الفئات قد تتجاوز المائة ألف جنيه شهرياً بينما لا يتجاوز راتب الطبيب الألفين جنيه؟
والآن أتوجه بحديثي لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني وكذلك أزهرنا الشريف. آن الأوان لإضافة برامج لمرحلة التعليم الثانوي تستهدف توعية الطلاب باحتياجات سوق العمل وما يرتبط بها من تخصصات جامعية، وهذه البرامج متوفرة بالفعل في أنظمة التعليم الأجنبي ويطلقون عليها Career Path أو برامج المسار المهني. ومن واقع خبرتي التي تتجاوز العشرين في قطاع التعليم والتدريب بمختلف مجالاته، أجزم أن هذه البرامج تسهم وبدرجة كبيرة في تشكيل وعي الطلاب وتحليل قدراتهم وربطها باحتياجات سوق العمل وبالتالي التشكيل العملي لقرار الإلتحاق بالتخصص المناسب في مرحلة الدراسة الجامعية.
أفيقوا يرحمكم الله
محمد مصطفى القاضي
المؤسس المشارك لمدارس ألفا زي